عبرة وداع حبيب عند القبر
في أحد ليال شهر رمضان المبارك جاءني خبر وفاة إحدى قريباتي وأنها توفيت قبل الإفطار وسرعان ما ذهب تفكيري سريعًا لزوجها فهو صديقي وأعلم أن المصيبة شديدة عليه فالعائلة كلها تعرف كم هي قصة الحب التي جمعت بينهما فهما جيران في بيتين متلاصقين تمت خطبتهما وهما في الثانوية وتمَّ العقد عند دخولهما الجامعة وأخذا الإثنان يجهزان بيتهما مع بعضهما البعض سنوات وقد صبرا على معوقات ومشاكل كثيرة حتى تمَّ البناء وتزوجا.
وفى الصباح ذهبت إلى الجنازة ورأيت الزوج المكلوم، ورأيت في عينه كل أنواع الحزن الذي في العالم، وكانت دموعه لا تتوقف بدون كلام فاحتضنته واحتضني بشدة فنحن لم نتقابل منذ فترة لبعد المسافات والمشاغل…. ثم ذهبنا إلى المسجد لصلاة الجنازة فلم يستطع الزوج أن يصلِّى عليها أو حتى يقترب من النعش فقد صلَّى بعيدا في أواخر الصفوف وحملنا الميتة وذهبنا لدفنها، وقد أصر الزوج على دفنها في مقبرته مع أمه التي توفيت من شهرين وعند المقابر حدث ما كنت أتوقعه، ولكني لم أشاهده وأسمعه في حياتي إلاَّ في هذه المرة فقد وقف الزوج المكلوم وأنا بجانبه على باب القبر يناجى زوجته بصوت خفيض ولكنه مسموع للجميع بسبب صمت القبور الرهيب، انطلقت الكلمات منه مصحوبة بأنهار من الدموع الصامتة التي لا تتوقف حيث قال لزوجته وهم يدخلونها القبر حبيبتي تتركيني.. أنا حبيبك "على" تتركيني وحيدا.. مع السلامة يا حبيبتي.. في رحمة الله يا أجمل حبيبة وأرق حبيبة.. يا أحب من كان لي في الدنيا مع السلامة.. يا روحي مع السلامة.. يا قلبي مع السلامة.. سأظل أحبك يا حبيبتي.. وهنا لم أستطع تمالك دموعي التي تسللت إلى وجهي تعلن ضعفي فقد تذكرت أحبابي الذين فارقوني ولم أستطع توديعهم وتذكرت أحبابي الذين ودعتهم ووقفت على قبرهم وقلبى ينفطر من شدة الحزن على فراقهم فضممت علي إلى صدري وقلت له: يا علي قل لا إله إلاَّ الله فرمى علي رأسه على صدري ثم قال: يا أمي ضُمِّي حبيبتي إلى صدرك لا تتركيها وحدها. فقلت له: يا علي قل لا إله إلاَّ الله.