ثم خر أيوب ساجدا.. وترك إبليس وسط دهشته المخزية. وعاد الشيطان يقول لله تعالى: يا رب.. إذا كان أيوب لم يقابل النعمة إلا بالحمد، والمصيبة إلا بالصبر، فليس ذلك إلا اعتدادا بما لديه من أولاد.. انه يطمع أن يشتد بهم ظهره ويسترد بهم ثروته.
تقول الرواية إن الله أباح للشيطان أولاد أيوب.. فزلزل عليهم البيت الذي يسكنون فيه، فقتلهم جميعا.
وهنا قال أيوب داعيا ربه: الله أعطى.. والله أخذ.. فله الحمد معطيا وسالبا، ساخطا وراضيا، نافعا وضارا.
ثم خر لله ساجدا وترك إبليس وسط دهشته المخزية. وعاد إبليس يدعو الله: إن أيوب لم يزل صابرا لأنه معافى في بدنه. ولو أنك سلطتني يا رب على بدنه، فسوف يكف عن صبره.
تقول الرواية أن الله أباح جسد أيوب للشيطان يتصرف فيه كيف يشاء.. فضرب الشيطان جسد أيوب من رأسه حتى قدميه، فمرض أيوب مرضا جلديا راح لحمه فيه يتساقط ويتقيح.. حتى هجره الأهل والصحاب، لم يعد معه إلا زوجته.
وظل أيوب على صبره وشكره لله تعالى.. حمد الله على أيام الصحة.. وحمده تعالى على بلاء المرض.. وشكره في الحالتين.
وازداد غيظ الشيطان فلم يعرف ماذا يفعل.. وهنا جمع إبليس مستشاريه من الشياطين وحدثهم بقصة أيوب وطلب رأيهم بعد أن أعلن يأسه من إغوائه أو إخراجه من صبره وشكره.. وقال أحد الشياطين: لقد أخرجت آدم أبا البشر من الجنة.. فمن أين أتيته؟
قال إبليس: آه.. تقصد حواء.
وانقدحت في عقل إبليس (لو كان له عقل) فكرة جديدة.. ذهب إلى امرأة أيوب وملأ قلبها باليأس حتى ذهبت إلى أيوب تقول له: حتى متى يعذبك الله؟ أين المال والعيال والصديق والرفيق؟ أين شبابك الذاهب وعزك القديم؟
وأجاب أيوب امرأته: لقد سول لك الشيطان أمرا.. أتراك تبكين على عز فات وولد مات..؟
قالت: لماذا لا تدعو الله أن يزيح بلواك ويشفيك ويكشف حزنك؟
قال أيوب: كم مكثنا في الرخاء؟
قالت: ثمانين سنة.
قال: كم لبثنا في البلاء؟
قالت: سبع سنوات.
قال: أستحي أن اطلب من الله رفع بلائي، وما قضيت فيه مدة رخائي.. لقد بدا إيمانك يضعف.. وضاق بقضاء الله قلبك.. لئن برئت وعادت إلي القوة لأضربنك مائة عصا.. وحرام بعد اليوم أن آكل من يديك طعاما أو شرابا أو أكلفك أمرا.. فاذهبي عني.
وذهبت زوجته وبقي أيوب وحيدا صابرا.. يحتمل ما لا تحتمله الجبال.. أخيرا فزع أيوب إلى الله داعيا متحننا لا متبرما ولا متسخطا.. ودعا الله أن يشفيه فاستجاب له الله.
هذه أشهر رواية عن فتنة أيوب وصبره.. ونحن نحس أنها موضوعة لأنها تتفق مع نص التوراة حول مرض أيوب.. أيضا نستبعد أن يكون مرضه منفرا أو مشوها كما تقول أساطير القدماء.. نستبعد ذلك لتنافيه مع منصب النبوة.. كل ما نستطيع أن نقطع به هو ما حدثنا عنه القرآن. وهو وحده الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
قال تعال في سورة (الأنبياء):
(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)
نفهم مما سبق أن أيوب كان عبدا صالحا من عباد الله. أراد الله امتحانه في ماله وأهله وجسمه. ضاع ماله وأصبح فقيرا بعد أن كان أغنى الأغنياء. وفقد أهله وبدأ يعرف معنى الوحدة. ومرض جسمه مرضا عظيما كان يتألم له. ولكنه صبر على هذا كله وشكر.
وطال مرضه واستطال بلاؤه وعظم هجران الناس له، حتى صار يقضي أيامه كلها وحيدا مع المرض والحزن والوحدة، وانطبقت أضلاع المثلث الكئيب على حياته. المرض والحزن والوحدة، ورغم ذلك لم ينس الصبر.. كان صبره متجاوزا لبلائه ومتفوقا عليه.