علاقة النوبة باليونانيين :
نشأت منذ عهد بعيد جدا علاقات تجارية وثقافية وطيدة بين النوبة واليونانيين ، فقد كان الإغريق يسمونها " إثيوبيا " وكانوا ينظرون لها بكثير من التقدير والإعجاب . ذكرها هوميروس في كتاباته ، وذكر عاصمتها مروي ، كما ظهرت في كتابات ديودورس الذي الذي ذهب إلى أن السودانيين هم أول من خلق من البشر على ظهر الأرض ، وأول من عبدوا الآلهة ، وأنهم هم من علم المصريين الكتابة .
بلغت هذه العلاقة الودية قمتها في عهد البطالسة في مصر - خاصة بطليموس الثاني - حيث نشطت التجارة بينهم وتوافد كثير من العلماء اليونان إلى النوبة واستقروا بها مما أسهم كثيرا في تطور العلوم والبلاد النوبية بشكل عام ،ولعل ذلك يبدو جليا في آثار مملكة مروي التي يحمل الكثير منها الطابع الإغريقي .
علاقة النوبة بالرومان:
لم تكن علاقة النوبة بالرومان على مر العصور ودية على الإطلاق ، بل كانت قائمة على العداء والمشاحنات الدائمة . وقد بدأت هذه العلاقة عندما ورث الرومان مصر عن البطالسة ، فكان أول ما فكروا فيه هو تأمين حدودهم الجنوبية فتصدى لهم النوبة ، وكان هذا بداية عهد طويل من المناوشات والمنازعات الحدودية .
وبالنسبة للنوبة ، فإنهم لم يعترفوا مطلقا بسيادة الرومان على مصر ، خاصة الأقاليم الجنوبية منها حيث كانوا يرون أنفسهم الوريث الشرعي لتلك المناطق المتاخمة لحدودهم الشمالية، لذلك فإنهم ظلوا يثيرون القلاقل على الحدود الجنوبية لمصر حتى صاروا هاجسا للأباطرة الرومان طيلة فترة سيطرتهم على مصر ، مما أجبر الإمبراطور الروماني دقلديانوس إلى نقل الحامية الرومانية التي كانت موجودة في المحرقة إلى أسوان شمالا بعد تزايد الهجمات النوبية عليها. وعلى كل فان الاعتداءات النوبية على حدود الإمبراطورية الرومانية في مصر لم تتوقف إلا بعد أن تعهد الإمبراطور الروماني دقلديانوس إلى دفع أتاوة سنوية للنوبة مقابل توقفهم عن أعمالهم العدائية .
وبالرغم من هذه العلاقة غير الحميمة مع الرومان نجد الحضارة النوبية قد تأثرت كثيرا بالثقافة الرومانية ، حيث نجد هذا التأثير واضح في آثار مملكة مروي ، خاصة في فن العمارة .
علاقة النوبة بالعرب :
لم تكن بلاد النوبة مجهولة بالنسبة للعرب قيل الإسلام ، فقد كان وادي النيل منذ فجر التاريخ هدفا للهجرات العربية عبر البحر الأحمر لبلاد الحبشة ثم شمالا حتى المنطقة النوبية . وقد كان هدف هذه الرحلات في المقام الأول التجارة ، حيث كانت أفريقيا عموما تبهر العرب بخيراتها ونفائسها الفريدة من رياش وجلود وأخشاب وغيرها .
ولعل أقدم الهجرات العربية لأفريقيا كانت هجرة بعض القبائل اليمنية إلى الحبشة عبر باب المندب في عام 2000 ق م . تلك القبائل التي استقرت في الحبشة واصلت تقدمها مع النيل الأزرق ونهر عطبرة حتى وصلت إلى النوبة لتستقر بها في مجموعات صغيرة اختلطت بالسكان الأصليين مكونة النواة الأولى للعنصر العربي في المنطقة . وقد ذكر ابن خلدون في كتاباته أخبار حملات قام بها الحميريين في وادي النيل الأوسط وشمال أفريقيا خلفت وراءها مجموعات عربية استقرت في النوبة وارض البجا وشمال أفريقيا .
وبالرغم من كل تلك الهجرات فانه لم يحدث اى اتصال سياسي ما بين النوبة والعرب إلا بعد الإسلام عندما فتح عمرو بن العاص مصر وفكر في تأمين الحدود الجنوبية وفتح المجال أمام المد الإسلامي للانتشار جنوبا . استمرت المحاولات العربية لفتح بلاد النوبة طيلة عشر سنوات ( 640م - 650م ) لم يستطع العرب خلالها إحراز أي تقدم يذكر نسبة لبسالة النوبيين وشهرتهم في الرماية حتى عرفوا ب " رماة الحدق " ، هذا في الوقت الذي لم يستغرق فيه فتح مصر سوى خمسة اشهر فقط . وبعد عدة محاولات اتجه العرب للخيار السلمي ، فكانت اتفاقية البقط الشهيرة ما بين العرب والنوبة في عام 30 للهجرة - 650 م ، والتي انفتحت بعدها أبواب النوبة بل السودان بكامله على مصراعيها أمام العرب .
بعد اتفاقية البقط لم يلتزم النوبة بعهودهم طويلا مع العرب ، فكانت الحملات التأديبية تأتي إليهم تباعا ، تتسلل معها بعض القبائل العربية وتستقر في مختلف المناطق النوبية مختلطة بأهلها . ولعل أهم المناطق التي كانت هدفا لتلك الهجرات منطقة " المريس " في أقصى الشمال النوبي ، والتي وجدت بها آثار كتابات وشواهد قبور عربية يعود تاريخها إلى القرن الثالث الهجري . ومن أشهر القبائل العربية التي وفدت للنوبة في ذلك الوقت قبيلة ربيعة التي صاهر أفرادها زعماء النوبة في منطقة " مريس " للانتفاع من نظام الوراثة الذي كان معمولا به عند النوبة ( وهو انتقال الثروة والحكم عن طريق الأم ) . وقد أنتجت هذه المصاهرة عنصرا نوبيا - عربيا عرف فيما بعد بقبيلة " الكنوز " والتي نجحت فيما بعد في إقامة إمارة نوبية - عربية امتد نفوذها حتى أسوان .
أما بالنسبة للتأثير العربي في الثقافة النوبية فمما لاشك فيه أن الثقافة العربية ودخول الإسلام إلى النوبة كان لهما الدور الأكبر في تشكيل ملامح المجتمع النوبي الحالي ، بالرغم من تأخر انتشار الإسلام واللغة العربية لما يقرب من 500 سنة بعد الفتح العربي الإسلامي للسودان . وفي الواقع فان الانتشار الحقيقي للثقافة العربية و الإسلامية كان في عهد الفاطميين عندما أرسل المعز لدين الله أحد الدعاة وهو عبد الله بن احمد بن سليم الأسواني ( وهو من قبيلة الكنوز ) إلى النوبة الذين كانوا يدينون بالمسيحية حتى ذلك الوقت . وقد وصل الأسواني حتى مملكة علوة ونشر فيها بعض الدعاة الذين كان لهم اكبر الأثر في تحول النوبة المسيحية إلى الإسلام